بالإضافة إلى مؤهلاته الجغرافية وموارده الطبيعية، يتوفر المغرب وعلى ثروة بشرية وسكانية تعتبر عماد نهضته وتنميته. فالثروة الحقيقية للأمم تكمن في سكانها ومواردها البشرية. يتميز سكان المغرب، كغيره من سكان العالم بعدة خصائص ديموغرافية على مستوى النمو السكاني، والبنية الديموغرافية والحركات الهجرية. فأين تكمن هذه الخصائص؟
I. وضعية النمو السكاني بالمغرب
يقصد بالنمو السكاني كل ارتفاع، أو انخفاض، في عدد سكان بلد أو منطقة معينة، خلال فترة زمنية محددة، يتم قياسه إحصائيا بحساب مؤشرين: حاصل النمو الطبيعي، وحاصل الهجرة.
وقد شهد المغرب منذ بداية القرن ال 20 نموا ديموغرافيا كبيرا، حيث تضاعف عدد سكان البلاد خمس مرات ما بين ألف وتسعمئة و2010. فقد ارتفع من 5,000,000 نسمة ليبلغ حوالي 35.8 مليون نسمة سنة 2020. ويعزى هذا النمو الديمغرافي السريع إلى عوامل ديموغرافية واقتصادية واجتماعية وثقافية؛ تتجلى العوامل الديموغرافية في انخفاض نسبة الوفيات بفضل تحسن الظروف المعيشية والصحية، وارتفاع نسبة الولادات بفضل تحسن التأطير الطبي وارتفاع نسبة الخصوبة.
وقد مر هذا النمو الديموغرافي الذي شهده المغرب بمرحلتين أساسيتين: مرحلة الانفجار الديموغرافي بداية القرن ال 20 إلى عقدي الستينيات والسبعينيات بلغت فيها نسبة النمو السكاني أقصى مستوى لها ب 3.3% سنة 1960، ثم حوالي 2.7% سنة 1971 بفعل ارتفاع نسبة الولادات وانخفاض نسبة الوفيات. وابتداء من الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى الآن دخل النمو الديمغرافي مرحلة ثانية اتسمت بالتراجع الكبير في نسبة النمو الديموغرافي حيث انتقلت من 2.61% السنة 1982، لتنزل إلى 1.2% حاليا (2018). ويفسر هذا التراجع، والذي مس كلا من الولادات والوفيات معا، بتغير السلوك الديموغرافي تحت تأثير عوامل ديموغرافية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية.
هاتان المرحلتان التي مر منهم النمو السكاني بالمغرب تندرجان في إطار ما يسمى في علم الديموغرافية" ب وضعية الانتقال الديمغرافيla transition démographique". وإذا ما استمر انخفاض النمو الديموغرافي بالوتيرة التراجعية الحالية، فإن المغرب سيلج في العقدين المقبلين مرحلة النظام الديمغرافي العصري الذي يتسم ببطء كبير، وربما تراجع نسبة النمو بفعل التراجع القوي لنسبة الولادات والوفيات معا. وهو ما سيخلف تداعيات اقتصادية واجتماعية وديمغرافية. هذا النمو الديمغرافي ستكون له تأثيرات على هرم أعمار بالمغرب.
II. خصائص بنية سكان المغرب
تعبر البنية السكانية عن تركيبة ساكنة بلد معين حسب بعض المؤشرات الديموغرافية، كالجنس، والسن، والحالة العائلية، المستوى التعليمي، ونسبة الأمية، بالإضافة إلى الخصائص العرقية والدينية. أما البنية العمرية فتلخص كيفية توزيع سكان بلد معين حسب فئات الأعمار.
ويتم التمييز فيها بين ثلاث فئات كبرى: الأطفال (أقل من 15 سنة)، الشباب والكهول (15-60 سنة)، ثم الشيوخ (أكثر من 60 سنة).
ولدراسة بنية السكان العمرية والجنسية، يتم استعمال تقنية هرم الأعمار (pyramides des âges)، وهو عبارة عن رسم بياني يوضح خصائص توزيع السكان حسب العمر والجنس(إناث-ذكور). ويتميز وهرم الأعمار لسكان المغرب لسنة 2018 بكونه على شكل الجرس. باستثناء الفئة العمرية الأولى من صفر إلى خمس سنوات، التي لا تزال مرتفعة نسبيا، فإن الفئات الثلاثة الأخرى الموالية (من 5 إلى 20 سنة) تميزت بتراجع إعدادها بفعل تأثير السياسة تنظيم النسل التي طبقها المغرب منذ سنة 1967. وبالمقابل فإن الفئات العمرية الوسطى (الشباب والكهول) تتميز بنوع من التضخم (انفتاح وسط الهرم). وهذه الفئات تعبر عن الأجيال الناتجة عن ظاهرة الانفجار الديمغرافي التي شهدها المغرب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.
ملاحظة أخرى هي أن الفئات الكبرى(الشيوخ) تميزت بتزايد واضح في إعدادها مع امتدادها إلى ما بعد 85 سنة. مما يدل على التحسن والارتفاع الذي طرأ على أمد الحياة لدى سكان المغرب. ورغم بعض التفاوتات الطفيفة لصالح الإناث، فإن هرم الأعمار لسنة 2018 يبين بوضوح أن توزيع السكان حسب العمر، ذكورا وإناثا، يظل متشابها بين الجنسين إلى حد كبير.
وبشكل عام، ما يميز البنية السكانية للمغرب هو تراجع في فئة الأطفال (أقل من 15 سنة)، بحيث نزلت نسبتها إلى 26.6% بعد ما كانت تشكل سنة 1960 حوالي 44.3%. وفي المقابل ارتفعت نسبة الشباب والكهول إلى 62.9% بعدما كانت تشكل 48.3% سنة 1960. كما وقع ارتفاع طفيف في فئة الشيوخ، إذا ارتفعت من 7.4% في الستينيات إلى 10.5 سنة 2018. وكل هذا دليل على التحول الكبير الذي لحق بنية سكان المغرب بفعل تغير السلوك الديموغرافي لدى المغاربة. ويمكن ارجاع ذلك إلى عاملين: تأثير سياسة تنظيم النسل التي نهجها المغرب منذ1967، ثم آثار عوامل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي حدثت في المجتمع المغربي منذ الثمانينيات، كتأخر سن الزواج بفعل البطالة وطول فترة الدراسة، إضافة إلى تغيير العقليات (ارتفاع المستوى الثقافي).
III. الهجرة الداخلية وأهم اتجاهاتها الجغرافية بالمغرب
تعتبر الهجرة القروية (l’exode rural) من أبرز أشكال الهجرات الداخلية بالمغرب. وقد ظهرت منذ الفترة الاستعمارية، وزادت حدتها منذ الاستقلال فقد ارتفع المعدل السنوي للهجرة الداخلية (صافي الهجرة) من 45,000 نسمة سنة 1960 إلى حوالي 127,000 سنويا سنة 2014. وترتبط الهجرة الريفية بالمغرب بمشكل التفاوتات والتباينات المجالية والإقليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما بين الأرياف المغربية التقليدية (البوادي) التي ما زالت تعاني من تأخر كبير ، والمدن الكبرى والسهول الفلاحية الكبرى. وتتحكم في الهجرة الداخلية بالمغرب عوامل كثيرة ومتداخلة، ويمكن حصر بعضها في الأسباب التالية:
أسباب وعوامل اقتصادية: تتجلى في تركز الأنشطة الاقتصادية في المدن والسهول في الأحياء الكبرى بالمغرب الأطلنتي . بالإضافة إلى تعمق التفاوتات الاقتصادية ما بين المدن و البوادي المغربية.
أسباب وعوامل اجتماعية ثقافية: مثل مشاكل الفقر والتهميش، وانتشار الأمية التي ما تزال تعاني منها البوادي المغربية. وهذا ما يدفع بفئات من سكان الأرياف إلى الهجرة بحثا عن موارد إضافية للعيش. كما أن قلة فرص الشغل، وانتشار البطالة لا بالأخص وسط الشباب يؤديان إلى الهجرة القروية. وأخيرا فإن الرغبة في متابعة الدراسة الجامعية والعليا بالمدنية الثوب الشباب القرى إلى الهجرة نحو الحواضر. كما أن بعض فئات الشباب في البوادي المغربية تهاجر رغبة في تغيير نمط عيشها، بفعل تحسن مستواها الثقافي.
العوامل والأسباب طبيعية: وتسمى أيضا ب «الهجرات البيئية"، وتتمثل في تردي موجات الجفاف، خاصة خلال الثمانينيات والتسعينيات التي أرغمت سكان بعض المناطق المتضررة، كل واحد والمغرب الشرقية والمغرب الأطلنتي الجنوبي، إلى النزوح نحو المدن والمناطق الشمالية والشمالية الغربية. كما أن بعض المخاطر الطبيعية، كالفيضانات والتصحر والزلازل، تسبب أحيانا في موجات الهجرة القروية.
بالنسبة لمناطق الهجرة الداخلية وتياراتها المغرب، يمكن التمييز فيها ما بين مناطق الاستقطاب (مناطق الجذب)، ومناطق النزوح(مناطق الطرد). وعموما يلاحظ أن مناطق النزوح تتمثل في الواحات الجنوبية والجنوبية الشرقية والمناطق الجنوبية، بالإضافة إلى الهضاب العليا الشرقية والبوادي الفقيرة في المغرب الأطلنتي. أما مناطق الجذب والاستقطاب فتمثل في المدن الساحلية الأطلنتية، والمدن الداخلية كفاس ومكناس ومراكش، بالإضافة إلى الدوائر السقوية الكبرى متل الغرب وتريفة، تادلة وسوس-ماسة. وبفعل الدينامية الاقتصادية التي أصبحت تعرفها المدن الشمالية المتوسطية، وكذا بعض المدن في الصحراء المغربية، متل العيون والداخلة، فإنها أصبحت تستقطب المهاجرين داخل البلاد.
مرحبا بكم، انظموا إلينا وعبروا عن آرائكم