آخر موضوع

التربية الدامجة

    يعتمد المنهاج الجديد للسلك التعليمي الابتدائي بُعْدَ الدمج التربوي لتحقيق تربية شاملة ومنصفة مبنية على مقاربة أساسها المنظور الشامل والدامج للتدخلات التي تقوم بها المدرسة لضمان الإنصاف وتكافؤ الفرص، ولتحسين وتجويد تعلمات جميع التلاميذ والتلميذات. ولذلك ثم الانتقال إلى منهاج شامل مؤسس للتربية الدامجة.

    تقوم المقاربة الدامجة على مبدأ أن المتعلمات والمتعلمين المتعثرين أو ذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن يتعلموا في الظروف المدرسة نفسها التي يحصل فيها زملائهم وزميلاتهم على الخدمات نفسها من دون عزلهم. ويجب أن تشمل هذه المقاربة كافة الأنشطة الصفية والموازية مع مراعاة قدراتهم صعوبات تعلمهم.

    إعمالا حق التربية للجميع وإرساء أسس تعليم ملائم ومنصف لكل فئات الأطفال كما تنص على ذلك مقتضيات الوثائق المرجعية الوطنية الصادرة في هذا الشأن، وكذا المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، تم إقرار التربية الدامجة كتوجه أساسي تعتمده وزارة التربية الوطنية للتكوين التكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لضمان حق التربية والتعليم لجميع الأطفال في وضعية خاصة، بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة، بغض النظر عن خصوصياتهم واحتياجاتهم التي تتطلب تعاونا قائما على منطق الدمج بمختلف أبعادها المادية والتربوية والاجتماعية.

    إن الدمج ليس مجرد مقاربة بيداغوجية أو مقاربة حقوقية لتعليم الأطفال ذوي الإعاقة، وإنما هو فلسفة تتجاوز مفهوم الإعاقة. في مجال التعليم، يقصد بالدمج دمج الاختلافات بين الجنسين والاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واللغوية وغيرها من الاختلافات التي يمثلها تنوع التلاميذ في كل فصل دراسي. من المهم-إلى جانب عدم اعتماد المقاربة الطبية وحدها، تجاه الإعاقة-تبني مقاربة شاملة للدمج وأن يوضع بعين الاعتبار أن التلميذ قد يمثل أنواعا مختلفة من التنوعات الاختلافات التي تتطلب الاهتمام دخل الفصل الدراسي المدمج.

    على سبيل المثال، قد يعاني التلميذ أكثر من إعاقة واحدة، وقد يكون موهوبا ومتفوقا في مجال معين من مجالات المناهج الدراسية أو قد ينحدر من وسط فقير أو ينتمي إلى أسرة تختلف لغتها الأم عن لغة التدريس أو قد تكون فتاة تعيش في منطقة قروية ذات معايير ثقافية محددة، وبالتالي يصبح من المهم بشكل خاص التأكد:

     أولا: من مراعاة جميع هذه الاختلافات واحتياجاتها ضمن تصميم التدخل التربوي لهذا المتعلم(ة) وألا ينحصر تركيز تصميم التعلم على حالات الإعاقة فقط.

    ثانيا: يجب أن يكتسب الفريق متعدد الاختصاصات الذي يشتغل مع هذا المتعلم(ة) المعرفة اللازمة لتجنب الإفراط في التشخيص أو ضعف التشخيص أو التشخيص الخاطئ الاحتياجات الخاصة لهذا المتعلم(ة).

    ثالثا : ولتقديم أفضل خدمة لهذا المتعلم(ة) بكل اختلافاته المتنوعة الفريدة وما ينتج عنها من احتياجات فردية، يجب أن يكون الأساتذة والإداريون والمفتشون قادرين على تطوير بروتوكولات التدخل التربوي المناسب والفعال.

     إن التعليم الدامج خارج حدود الإعاقة هو سيرورة متواصلة في المغرب كما في العالم وهي تتطلب وعيا ومعرفة قائمة على الأبحاث وأدوات تطوير وصقل السياسات والممارسات ذات الصلة.

    إن التربية الدامجة تعتبر النجاح في التعلم غير مرتبط بالفرد، بقدر ما يرتبط بنوعية وطبيعة الوساطة التربوية. إذ ليس هناك شخص عاجز عن التعلم، بل هناك وساطة عاجزة عن القدرة على إيجاد التقنيات والطريقة الملائمة التي تسمح بنقل المتعلم من منطقة التعلمات التي يمتلكها، على قلتها وضعفها أحيانا، إلى منطقة التعلمات المجاورة التي تركز المكتسبات وتغنيها.

    لذا، فإن الممارسات التربوية الدامجة داخل الفصل الدراسي، وفي أنشطة الحياة المدرسية تستلزم عملا مميزا على مستوى تنظيم بنية الفصل(المكان الزمان، وأدوات العمل)، وإعداد الملمح العام للقسم، وملامح المتعلمين والمتعلمات، وتخطيط وإعداد مشاريع الدمج، وتدبير التعلمات وطرائق تنشيط، وتقويم النتائج ودعمها ومعالجتها، وهذا يقتضي من المدرس(ة) أن يكون على دراية واسعة بمستلزمات الدمج الدراسي لجميع فئات الأطفال، بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة، بل أكثر من ذلك أن تتشكل لديه قناعة فكرية منفتحة على القواعد الأساسية التي يستند عليها منطق المقاربة الدامجة عند تصريف مفردات المنهاج الدراسي وتخطيط الأنشطة التربوية وتدبيرها، وتقويمها، وذلك لضمان الانسجام التام والملائم للتوجيهات التربوية الواردة في وثيقة المنهاج الجديد لسلك التعليم الابتدائي مع المبادئ الثلاثة للتصميم الشامل للتعلم وهي:

أ‌. طرق العرض:

    يجب أن تتضمن المرئية والمسموعة والتطبيقية والواقعية والتقليص من الاعتماد على الكتاب المدرسي باعتباره الوسيلة الرئيسية لتقديم المحتوى التعليمي.

ب‌. طرق التعبئة:

    إدراج مبادئ توجيهية في دلائل الأستاذ حول كيفية تجاوز الاعتماد الحصري على الأنشطة التعليمية والتقويمية المرئية والمسموعة وإدراج التعبير الحركي والتعاوني في التعلم بما يستجيب ويستوعب خصائص واحتياجات المتعلمين المختلفة.

ت‌. طرق المشاركة:

    يجب إغناء أنشطة التعلم والمقاربات التربوية المتضمنة في دلائل الأساتذة والكتب المدرسية لإعطاء مزيد من الفرص للتلاميذ للتعلم عن طريق الأنشطة التعاونية والحياتية والألعاب التطبيقية وأنشطة التعلم/التقييم الذاتي والتأكد من حصول التلاميذ على الفرص التي تمكنهم من اختيار أنشطتهم التعلمية وتخطيطها وذلك حسب تفضيلاتهم واحتياجاتهم.

    بالرغم من أن تطوير المناهج ضروري لضمان استفادة جميع المتعلمات والمتعلمين من فرص متساوية للتعلم إلا أن مراجعتها ليست وحدها الكفيلة بتنزيل الممارسات الدامجة في الفصل تنزيلا كافيا ومناسبا. ذلك أن وضع منظومة وثقافة دامجتين عملية متعددة الأوجه تستدعي توفير تكوين الأطر التربوية والإدارية يمكنهم من التزود بالمعارف الممارسة المهنية الضرورية للعمل في المؤسسات التعليمية الدامجة. فعلى سبيل المثال، يحتاج الأساتذة والأستاذات لاستيعاب حاجيات مختلف التلاميذ وطرق صياغة وتنفيذ التعليم الدامج والتقويم الدامج ودعم التلاميذ الذين هم في حاجة إلى مساعدة خاصة وكيفية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال للتيسير التعلم والتعاون مع مختلف الفاعلين لتنفيذ الممارسات الدامجة.

    كما يجب العمل على تنمية المواقف الإيجابية تجاه المتعلمات والمتعلمين في وضعية خاصة لضمان التنزيل الناجح للمنهاج الدامج عبر تدابير وإجراءات لإذكاء الوعي لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين في برامج التربية الدامجة، لتخطي الصعوبات العامة أو الخاصة، الذاتية أو البيئية.

    لتحقيق أهداف المنهاج الدامج، يتعين إعمال ثلاث مقاربات متكاملة:

I. أولا: المقاربة الفارقية:

    المقاربة الفارقية هي بيداغوجيا مرنة وقابلة للتكييف حسب خصوصية المتعلمين والمتعلمات ومواصفاته من الإنتاج لأنها تجعل أنشطة التعليم والتعلم وإيقاعاتها مبنية على أساس الفروق والاختلافات بين المتعلمات في وضعية التعلم:

    وتتميز بما يلي:

  • تؤمن بوجود فروق فردية بين المتعلمات المتعلمين.
  • تأخذ بعين الاعتبار تنوع المتعلمات والمتعلمين واختلافهم من حيث السن والقدرات والسلوك.
  • تعترف بالمتعلمة والمتعلم كشخص له إيقاعه الخاص في التعلم، وتساير عمل المتعلم عبر التغذية الراجعة المناسبة.
  • تقوم بتفريع التعلم وتكييف عملية التعليم والتعلم حسب الخصوصيات الفردية.
  • تجعل كل متعلم(ة) في الفصل يحقق أهداف التعلم على قدم المساواة، وحسب إيقاعه.
  • تقوم على مبدأ تنويع الطرق والوسائل التعليمية التعلمية لتناسب المتعلمات المتعلمين.
  •     كما تمكن بيداغوجيا التمكن من ضمان فعالية التدريس وتحقيق النتائج المرغوبة. والقاسم المشترك بين هذه الاستراتيجيات وضبط نظم تدريس وخطته بأساليب تمكن من ترشيده نحو أقصى النتائج الإيجابية الممكنة وذلك عن طريق تصحيح مساره.

        وتقوم بيداغوجيا التمكن على مجموعة من المبادئ للتوصل إلى نتائج إيجابية مع المتعلمات والمتعلمين، ومن بين هذه المبادئ ما يلي:

  • ضبط زمن التعليم (الزمن فعلي) ليوافق زمن تعلم (الزمن الضروري).
  • توفير شروط تعلم مناسبة لجميع المتعلمات والمتعلمين.
  • تشخيص مكتسبات المتعلم والمتعلمة عند انطلاق عملية التعليم التعلم.
  • II. المقاربة الدامجة:

        تقوم هذه المقاربة على المبادئ التالية:

  • يمكن لأطفال لديهم نقص في القدرات، أو صعوبات في التعلم أن يتعلموا مع أقران في الفصل نفسه، شريطة أن نستخدم الطرق المناسبة لهم، والتي تساعدهم على بلوغ أهداف موحدة.
  • من الضروري إعداد الأستاذات والأساتذة لتوظيف مقاربات دامجة بالاعتماد على توظيف تعليمات فرديا أو في مجموعة صغرى أو إنجاز تكييفات لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة.
  •     وتمكن هذه المقاربة من تنمية المهارات الأساسية في السنوات الأولى على النحو التالي:

  • تقدير الذات لدى الأطفال في وضعية إعاقة وتحفيزهم على التعلم.
  • الدعم النفسي الإيجابي لدى هذه الفئات، وتقليص إحساسهم بالنقص بسبب عدم قدرتهم على مسايرة أقرانهم أحيانا.
  • تعديل اتجاهات أقرانهم نحوهم من خلال التعايش معهم في الصف وفي إطار الحياة المدرسية.
  • توفير الفرص التربوية المناسبة للتعلم العادي مع جماعة الفصل في حال عدم وجود خبرات مختصة.
  •     ومن المبادئ العامة للتطبيق هذه المقاربة في الأشطة الصفية وأنشطة الإثراء والدعم:

  • التعامل مع الأطفال من ذوي صعوبات التعلم والذين يوجدون في وضعية إعاقة بطريقة طبيعية مثلهم مثل زملائهم وزميلانهم، وبذات الطريقة التي يتم بها التحدث مع أي طفل آخر، والحث على تحسيس زملائهم وزميلاتهم باحترام اختلاف هؤلاء الأطفال عنهم وقبوله.
  • انتقاء تمارين تناسب إيقاعهم، ومحاولة صياغتها بأسلوب يراعي قدرتهم، مع الحرص على مواكبة عملهم أثناء الإنجاز، والعمل على كشف نقاط القوة لديهم، ثم تشجيعهم على إظهارها، والتعامل معهم بالطريقة ذاتها التي يتم التعامل بها مع بقية أقرانهم.
  • عندما نقوم أداءهم، يجب أن نراعي حدود قدراتهم، ونقدر مجهودهم دون أن يكون وسيلة في جعلهم يحسون بأنهم أدنى من زملائهم وزميلاتهم، لذا يجب أن يكون التقويم مناسبا لتقدمهم في التعلم لا على أساس معيار خارجي مسبق.
  • استثمار أنشطة الإثراء والدعم لبرمجة إيقاعات متنوعة تمكن من متابعة ذوي الاحتياجات الخاصة وتعويض نقص التعلم الحاصل لديهم.
  • III. المقاربة الحقوقية ومقاربة النوع الاجتماعي

        عِمادُ هذه المقاربة هو الانطلاق من مبدأ أن الأنشطة الصفية وأنشطة تفتح واللعب وممارسة المواهب، والتعبير عن الذات من ضمن حقوق الطفل التي يجب أن يعمل الفاعلون التربويون والاجتماعيون على توفيرها له (يسمون أصحاب الواجب في المقاربة الحقوقية مقابل أصحاب الحقوق(المتعلمين والمتعلمات))، والهياكل المشرفة على سير المؤسسة المدرسية وأولياء الأمور.

        وعندما يستفيد المتعلمون والمتعلمات من فرص التعلم ومن أنشطة التفتح والإثراء، فإنه يجب اعتماد مايلي:

  • مبدأ التساوي في توزيع الأدوار على أساس تكافؤ الفرص بين الجنسين على قدم المساواة من مختلف الأعمار، وعدم التمييز بين الذكور والإناث في مختلف الأنشطة.
  • عدم اعتبار ذوي الاحتياجات الخاصة، أو أطفال من وسط اجتماعي فقير أو انتماء ثقافي معين سببا لإقصائه من مختلف الأنشطة المدرسية.
  • المرجع:

  •  المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي-مديرية المناهج يجوز 2021 الصفحات (48-52).
  • تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      مقالات ذات صلة



      وضع القراءة :
      حجم الخط
      +
      16
      -
      تباعد السطور
      +
      2
      -