آخر موضوع

مميزات وطني التوزع السكاني

    نظرا لما يتميز به المجال الجغرافي المغربي من تباين مجالي كبير محليا، وجهويا ووطنيا، بفعل العوامل الطبيعية والبشرية (الاقتصادية والتاريخية)، فإن توزيع السكان يتسم بتباين كبير. فأين تتجلى مظاهر هذا التنوع؟ وما هي العوامل التي تفسره؟ وكيف يتوزع هؤلاء السكان جهويا من خلال نموذج الجهة الشرقية؟

I. وصف التوزيع الجغرافي لسكان المغرب

    اعتمادا على خريطة الكثافة السكانية حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، يتميز التوزيع الجغرافي وسكان المغرب بتباين مجالي وجهويا كبير جدا. فنسبة كبيرة من السكان يستقرون في المناطق الساحلية والسهول السقوية الكبرى وبعض المدن الداخلية. فالكثافة السكانية ترتفع متجاوزة 150 نسمة/كلم2 في المنطقة الساحلية الممتدة من تطوان إلى آسفي، بالإضافة إلى منطقتي أكادير، الناظور و السعيدية. ونفس الكثافة تسجل في أقاليم وعمالات مراكش، بني ملال، فاس، مكناس ووجدة. كما ترتفع الكثافة لأكثر من 150ن/كلم2، أو أحيانا ما بين 50 أو 100 نسمة للكيلومتر المربع. وفي المقابل يلاحظ أن مساحات شاسعة من البلاد تنزل فيها الكثافة السكانية إلى أقل من 50 نسمة للكيلومتر المربع، خصوصا في أقاليم المنطقة الشرقية والجنوبية الشرقية والأقاليم صحراوية.

    وعموما يتميز التوزيع الجغرافي للسكان والمغربي بالتركيز السكاني في المنطقة الساحلية الممتدة بين تطوان وأكادير التي تأوي وحدها أكثر من 12 مليون نسمة (ثلث سكان البلاد)

II. العوامل المفسرة للتوزيع الجغرافي للسكان في المغرب

    تعود أسباب التوزيع الجغرافي المتباين للسكان إلى تضافر مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية.

أ‌. العوامل الطبيعية

    وتتجلى العوامل الطبيعية في تباين تضاريس البلاد، مع السيادة الجبال والهضاب الجرداء، بالإضافة إلى تباين توزيع أنواع المناخ والذي يتسم بانتشار المجالات القاحلة الصحراوية وشبه الصحراوية التي تغطي 93% من مساحة البلاد. وهناك عامل طبيعي آخر وهو تركز الشبكة المائية في المنطقة الشمالية الغربية، بينما تتميز المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية وكذا الأقاليم الصحراوية بالجفاف وقلة الأنهار والموارد المائية، ناهيك عن تأثير عامل طبيعي آخر هو التباين في توزيع أنواع الأتربة فسهول المغرب الأطلنتي المتسمة بكثافة سكانية هي وحدها التي تتوفر على تربات خصبة أو متوسط الخصوبة فيما تتوفر جل مناطق البلاد في الجبال والمغرب الشرقي والجنوب الصحراوي على تربات حجرية فقيرة وهيكلية وغير متطورة.

ب‌. أما العوامل البشرية، فيمكن تصنيفها إلى ثلاث عوامل أساسية:

    العامل التاريخي: فارتفاع الكثافة السكانية في المناطق الجبلية بالريف الأوسط الغربي، رغم قسوة ظروفها الطبيعية، يعود إلى قدم التعمير بهذه المناطق عندما كانت ملجأ او حصنا للسكان. ونفس الشيء ينطبق على بعض المدن الداخلية التاريخية وقد قام المستعمر الفرنسي والإسباني بإنشاء مجموعة من الموانئ والمؤسسات الاقتصادية بها في إطار استغلال خيرات البلاد وهذا ما أدى إلى استقطاب تيارات الهجرة الداخلية نحوها. فتضخم نتيجة لذلك عدد سكان المدن الساحلية. استمرت هذه الظاهرة خلال فترة الاستقلال، حيث تركزت جل المؤسسات الصناعية والاقتصادية والإدارية بالسواحل الأطلنتية. مما أدى إلى تكريس التفاوتات الكبيرة ما بين المناطق الساحلية التي أضحت تمثل قطبا اقتصاديا وحضريا كبيرا، والمناطق الداخلية في الشرق ووسط وجنوب المغرب التي لا تأوي سوى نسبة ضعيفة من المؤسسات الاقتصادية والإدارية. وزاد الاهتمام بتنمية الأقاليم الشمالية المتوسطية في العقدين الأخيرين في تكريس هذه التفاوتات.

    من بين العوامل التاريخية نجد أيضا إجراءات وتحركات القبائل المغربية خلال القرون الماضية (17 و18 و19) من الجنوب والجنوب الشرقي نحو الشمال. ومن المناطق الجبلية في الأطلس نحو السهول والهضاب الأطلنتية. العامل الاقتصادي: يتمثل في تركز الأنشطة الاقتصادية ومقاولاتها على الساحل الأطلنتي، وفي السهول الكبرى بالمناطق الأطلنطية، وقد بدأ هذا التركز منذ الفترة الاستعمارية، وزاد هذا التركز حدة مع مرور الوقت، خاصة خلال فترة الاستقلال بفعل سياسة التخطيط المركزي الذي نهجتها المغرب في بداية الاستقلال، وهذا ما أدى إلى بروز مدن صناعية واقتصادية كبرى على الساحل، وأصبح بذلك الساحل المغربي قطبا اقتصاديا جذابا للهجرة الداخلية.

    العامل الاجتماعي: يتمثل في عدة جوانب؛ فالاهتمام الكبير بتنمية الساحل ومدنه، وكذا المنطقة الأطلنتية، واكبه تهميش وإقصاء للمناطق الداخلية والشرقية والجنوبية الشرقية-مما جعلها عرضة للفقر والبطالة والتهميش. فهي لم تستفيد كثيرا من مشاريع التحديث والتنمية الاقتصادية من التجهيزات الكبرى (، الطرق الجامعات، المستشفيات، السكة الحديدية...) وهذا ما ساهم في الهجرة الداخلية نحو السهول الغنية والمدن الساحلية. وزاد تواتر سنوات الجفاف الكبير خلال الثمانينيات والتسعينيات في وتيرة هذه الهجرة.

III. التوزيع الجغرافي للسكان بالجهة: حالة الجهة الشرقية

    يتخذ التوزيع المتباين للسكان أيضا مظهرا جهويا: فالجهات الكبرى في البلاد تعرف هي أيضا توزيعا متفاوتا، ولإبراز ذلك، نورد نموذج توزيع السكان بالجهة الشرقية من المغرب.

    يلاحظ من خلال توزيع الكثافة السكانية حسب الجماعات الترابية بالجهة الشرقية سنة 2014 وجود تفاوت وتباين مجالي كبير داخل هذه الجهة. ففي المنطقة الشمالية المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في الكثافة السكانية إلى أكثر من 150 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد في بعض الجماعات الترابية، بل إن الجماعة الحضرية تصل فيها إلى أكثر من 2000 نسمة الكيلومتر المربع الواحد، متل ما الناظور، العروي، والسعيدية.... وفي المقابل تنخفض الكثافة السكانية إلى أقل من 100 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد في القسم الجنوبي من الجهة الشرقية، بل إن هذه الكثافة تنزل إلى أقل من 20 نسمة للكيلومتر المربع الواحد في الجماعات الترابية لأقاليم تاوريرت، جرادة وفكيك.

    هذا التوزيع الجغرافي الجهوي المتباين يفسر بعدة عوامل طبيعية أو بشرية

    العوامل الطبيعية: تكمن في سيادة مظاهر القحولة والجفاف في معظم الجهة الشرقية نتيجة المناخ الجاف. وهذا ما يفسر مثلا ضعف الكثافة السكانية في القسم الجنوبي. وبالأخص في أقاليم جراذة، تاوريرت وفكيك. وفي المقابل يعود ارتفاع الكثافة بالقسم الشمالي من المنطقة الشرقية إلى سيادة المناخ المتوسطي وتوفر المنطقة على تربة جيدة وموارد مائية، خصوصا في سهل تريفة.

    العوامل البشرية: تعود بالخصوص إلى كون قسم الشمالي من الجهة الشرقية يتوفر على أنشطة اقتصادية، كالنشاط الفلاحي في سهل تريفة، والذي يعتبر من بين السهول الغنية ذات الزراعات السقوية، هذا علاوة على تمركز بعض الأنشطة الصناعية بالمنطقة خاصة في وجدة أو بركان والناظور، وشبكة طرقية مهمة. إضافة إلى أن إطلالة القسم الشمالي على البحر الأبيض المتوسط يجعل منه منطقة جاذبة للسكان.

    وعموما فإن النشاط الاقتصادي المزدهر في المنطقة الشمالية الشرقية (تريفة والمحور الساحلي والناطور إلى السعيدية) جعل منها إحدى المناطق المستقطبة لتيارات الهجرة الداخلية، سواء من داخل الجهة الشرقية، قوم مناطق أخرى من المغرب.

كتب ومواقع وروابط إلكترونية

  • مرجع الأستاذ المسار في الاجتماعيات
  • مرجع الأستاذ المسار في الاجتماعيات
  • المملكة المغربية المندوبية السامية للتخطيط
  • فيديوهات تعليمية حول السكان
  • تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      مقالات ذات صلة



      وضع القراءة :
      حجم الخط
      +
      16
      -
      تباعد السطور
      +
      2
      -